حوار | المحكمة الإسرائيلية لم تتدخل لحماية حقوق الإنسان في أزمة كورونا

لم يشهد العالم، في القرن الأخير، جائحة خطيرة مثل كورونا، الأمر الذي استُخدم من قبل حكومات في مختلف دول العالم لإعلان حالة الطوارئ.

حوار | المحكمة الإسرائيلية لم تتدخل لحماية حقوق الإنسان في أزمة كورونا

مسن يحصل على لقاح كورونا في شقيب السلام (أرشيف أ ب)

نشر مركز "عدالة" الحقوقي، حديثا، تقريرا شاملا بعنوان "حماية حقوق الإنسان في حالات الطوارئ: قراءة في أداء المحكمة العليا في بداية أزمة كورونا"، يحلل فيه قرارات المحكمة العليا في إسرائيل في 88 قضية مختلفة رفعت خلال الموجة الأولى من الجائحة.

ويوفر التقرير معلومات مهمة وتحليلا شاملا للمحامين المهتمين بأزمة كورونا وحقوق الإنسان وسيادة القانون وفصل السلطات خلال حالة الطوارئ الصحية.

وكما هو معلوم لم يشهد العالم، في القرن الأخير، جائحة خطيرة مثل كورونا، الأمر الذي استُخدم من قبل حكومات في مختلف دول العالم لإعلان حالة الطوارئ ومنح السلطة التنفيذية صلاحيات واسعة ومُتطرفة مثل فرض الإغلاق، الحجر الإجباري وتقييدات كبيرة على الحركة. وهذه الإجراءات من شأنها المس بشكل كبير بحقوق الإنسان بالإضافة إلى المس بالحق والصحة والمساواة.

المحامية ميسانة موراني (أ ب)

وحول هذا التقرير أجرى "عرب 48" هذا الحوار مع المحامية ميسانة موراني من مركز عدالة.

"عرب 48": حدثينا بإيجاز عما قام به مركز عدالة والتقرير الذي أعددتموه؟

موراني: حلّلنا في التقرير تعامل المحكمة الإسرائيلية مع الالتماسات المختلفة التي قُدمت خلال الموجة الأولى من كورونا (حتى نهاية شهر أب/ أغسطس 2020). الجزء الأول من التقرير يشتمل على تحليل كمّي لقرارات المحكمة من ناحية النتيجة، استصدار أوامر احترازية ومؤقتة، مدة المداولات ومناقشة الملف. والجزء الثاني من التقرير حلّل للعمق تعامل المحكمة العليا مع القضايا المختلفة. هذه القضايا شملت أسئلة دستورية تتعلق بالصلاحيات الواسعة التي استخدمتها السلطة التنفيذيّة دون أي رقابة من جهة، وادعاءات للمس بحقوق الإنسان من جهة ثانية.

"عرب 48": ما هي القضايا الـ88 التي ناقشها التقرير، هل هي سياسية، اجتماعية، أم أنها تتعلق بالمجمل بأزمة كورونا؟

موراني: من الممكن تقسيم الالتماسات إلى نوعين، النوع الأول من الالتماسات تطرق إلى الجانب المبدئي الدستوري لاستخدام صلاحيات الطوارئ من قبل الحكومة ومعناها. والنوع الثاني تطرق للمس بحقوق الإنسان النابع عن الجائحة وعن أنظمة الطوارئ. هذه الالتماسات تقدمت من قبل مجموعات مختلفة مثل أرباب العمل، العجزة، الأسرى ومجموعات أخرى. تطرقت هذه الالتماسات لعدة حقوق تم المس بها مثل الحق بالصحة وحرية الحركة والتنقل. فمثلًا في سياق فحوصات كورونا ومناليتها، تم تقديم التماس تطرق لعدم منالية الفحوصات والخدمات الطبية المقدّمة للبدو الفلسطينيين في النقب. التماس آخر تطرق لعدم منالية الفحوصات لسكان كفر عقب ومخيم شعفاط الواقعين خلف جدار الفصل العنصري. التماس ثالث تطرق لانعدام وجود منشآت مناسبة للعزل للنساء في القرى غير المعترف بها. التماس إضافي تطرق للوضع الصحي في غزة على خلفية الجائحة. هذا بالإضافة إلى مجموعة من الالتماسات تطرقت لحقوق الأسرى، والأسرى بطبيعة الحال معرضون لخطر الجائحة أكثر من غيرهم بسبب الظروف القاسية في السجن. الالتماسات، في هذا السياق، تطرقت لدستورية أنظمة الطوارئ التي منعت زيارات الأهالي والمحامين للأسرى، ولتجهيزات إدارة السجون للوقاية من الجائحة والحفاظ على التباعد الاجتماعي بين الأسرى.

وكما هو واضح العديد من الالتماسات تطرقت إلى المس بحقوق الفلسطينيين. هذا المس ليس فقط نتيجة التمييز في تطبيق السياسات المباشرة المتعلقة بكورونا، إنما هو أيضًا نتاج تمييز منهجي طويل الأمد. بهذا الواقع، يعاني الفلسطينيون من التهميش الممنهج ومن النقص بالبنى التحتية مما يجعلهم أكثر عرضة للتأثر بالجائحة وتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة.

"عرب 48": كيف يمكن حماية حقوق الإنسان في ظل الأزمات وحالات الطوارئ؟

موراني: حالات الطوارئ تشكل دومًا ذريعة للمس بحقوق الإنسان، فالحكومات طالما استغلت حالات الطوارئ وشعور الناس بالخطر لشرعنة استخدام صلاحيات واسعة ولشرعنة المس بحقوق الإنسان بشكل واسع. تركيز الصلاحيات الواسع بيد السلطة التنفيذية والشرعية لاتخاذ خطوات متطرفة تشكل خطرًا كبيرًا على حقوق الإنسان عادة. في هذه الحالات تزداد الحاجة للتدخل القضائي الذي قد يساهم في موازنة الصلاحيات الواسعة المعطاة للسلطة التنفيذية وتقييد المس المفرط بحقوق الإنسان.

"عرب 48": ثمة قوانين مؤقتة تُسن وتُفرض عادة في حالات الطوارئ، والسؤال هو هل تتعامل المحاكم مع هذه القوانين تماما كتعاملها مع القوانين الدائمة؟

موراني: القوانين ذات الصلة بحالة الطوارئ في إسرائيل هي قوانين أساس الحكومة، والتي ينص البند 39 على صلاحية الحكومة بوضع أنظمة طوارئ "للدفاع عن الدولة وأمن الجمهور وضمان توفير الخدمات والإمدادات الحيوية". هذه الصلاحية مشروطة بإعلان الكنيست عن وجود حالة طوارئ. هذه الأنظمة مؤقتة، وليس بمقدورها "منع التوجه إلى المحكمة أو تحديد عقوبات بأثر رجعي أو السماح بالمس بكرامة الإنسان". وفي فترة كورونا، الكنيست لم تقم بإعلان حالة طوارئ خاصة. الحكومة استغلت إعلان حالة الطوارئ الأمنية المعلنة في إسرائيل منذ 1948، والتي تتجدد بشكل شبه تلقائي منذ ذلك الحين. وفي هذا السياق، ادعى الملتمسون بأنه لا يمكن للحكومة الاعتماد على إعلان حالة الطوارئ الأمنية واستغلالها لحالة الطوارئ الراهنة كون الأخيرة ذات طابع صحي. كذلك، ادعى الملتمسون بأنه ومع مباشرة عمل لجان الكنيست بعد الانتخابات، من الأجدر أن يتوقف العمل بأنظمة الطوارئ والتوجه لتشريع قوانين مناسبة، وعلى الرغم من أنّ المستشار القضائي للحكومة تبنى موقفًا مشابهًا بضرورة التوجه لسيرورة التشريع، إلا أن المحكمة، وبالرغم من أنها عقدت جلسة أمام هيئة موسعة بالموضوع، لم تبت بالملف وانتظرت عدة أشهر حتى سنّت الكنيست قانونًا مناسبًا - قانون كورونا الكبير - وبناء عليه رفضت الالتماس دون التطرق بشكل عميق لادعاءات الملتمسين.

"عرب 48": ما هي أهم وأبرز خلاصات ونتائج التقرير؟

موراني: الاستنتاج الأبرز من هذه الفترة كان أن المحكمة عمليا استخدمت إستراتيجيات عدة لتتهرب من اتخاذ قرارات بالالتماسات المتعقلة بكورونا. ومن بين هذه الإستراتيجيات برز بشكل خاص الاستخدام المتكرر للادعاءات الإجرائية كتبرير لعدم البت في الملفات، ومنها عدم استنفاذ الإجراءات قبيل تقديم الالتماس. بالإضافة إلى ذلك، فقد لعب عامل الوقت دورًا مهمًا في قرارات المحكمة. وفي بعض الحالات قامت المحكمة برفض الالتماسات بادعاء أن تغييرات مختلفة طرأت على الوقائع أو على الوضع القانوني لحالة، وهو أمر يحدث كثيرًا في حالة طوارئ، أي أنه سبب كاف لرفض الالتماس. في حالات أخرى، استمرت المحكمة بطلب تحديثات من الدولة حول الوضع القانوني أو الواقعي إلى أن حدث تغيير كاف بحجته تم رفض الالتماس.

وأخيرا، فإن تصرف المحكمة هذا ليس بالجديد، إذ أن تاريخ المحكمة الاسرائيلية مليء بالقرارات التي صادقت على انتهاك حقوق الإنسان أيضًا في أوقات الطوارئ. عادة كان التبرير لهذه الانتهاكات هو حالة الطوارئ الأمنية، ولكن التقرير يوضح أنه حتى في حالة الطوارئ الصحية، المحكمة لم تتدخل لحماية حقوق الإنسان وإنما عمليا أعطت السلطة التنفيذية حرية تصرف مطلقة.

التعليقات